برهان وحمدوك وضياع الفرص الذهبية
*د. محمد صالح الشيخابي يكتب :* *برهان وحمدوك والفرص الذهبية..* حين رشّحت قوى الحرية والتغيير الدكتور عبدالله حمدوك لرئاسة الوزراء، لم يكن الرجل معروفاً لغالبية الشعب السوداني. لكن الإعلام الكثيف والدعاية المركزة التي سبقته إلى الخرطوم، صنعت منه أسطورة. وصل الرجل إلى البلاد وسط هتاف “شكراً حمدوك”، قبل أن ينطق بكلمة واحدة، وكأنّ خلاص الوطن قد هبط من السماء بمظلة دولية. حتى خصومه حينها التزموا الصمت، وبعضهم شارك في الترحيب، فقد بدا أن السودان قد عثر أخيرًا على “المنقذ” الذي سيخرج البلاد من ظلمات الإنقاذ إلى نور المدنية والرخاء. يقول مراقبون إن الإجماع الشعبي الذي حظي به حمدوك، لم ينله أحد في التاريخ السوداني الحديث، إلا الإمام محمد أحمد المهدي. لكنّ الفرق كبير: المهدي أسس دولة وسط ركام الاستعمار، أما حمدوك فقد ورث دولة منهكة تنتظر من ينقذها، لا من يزيدها انهياراً. للأسف، الفرصة الذهبية التي قُدّمت لحمدوك على طبق من ذهب، ضاعت بسبب أداء باهت، وقرارات مترددة، ووزراء ضعفاء يشبهون “الكومبارس” في فيلم طويل ممل. الواقع أن الإنجاز الوحيد الذي حُسب له كان توقيع اتفاقية سلام مع مجموعة من الحركات، لكن حتى هذا السلام لم يكن شاملاً، ولم يوقف النزيف في دارفور أو جبال النوبة. والأسوأ من ذلك، أن الأسعار قفزت خلال حكمه قفزات جنونية، والخدمات تدهورت بصورة غير مسبوقة، رغم أن فترة حكمه لم تتجاوز ثلاث سنوات. ثم جاءت لحظة الانقلاب، فاستقال، ثم تراجع عن الاستقالة، ثم عاد ووقّع اتفاقًا ثنائيًا مع البرهان، ثم عاد وتراجع عن تراجعه! مشهد عبثي يُدرّس في كليات السياسة كأنموذج في التردد والتخبط وضياع البوصلة. ومع كل هذا، لم يكن حمدوك فاسدًا ولا شريرًا، لكنه لم يكن قائدًا. لم يكن بحجم اللحظة ولا بثقل المرحلة. الرجل أضاع لحظة تاريخية نادرة كان يمكن أن يعيد فيها تشكيل الوعي الوطني وبناء مؤسسات الدولة على أسس جديدة، لكنّ الحلم تبخر، وخرج من الباب الخلفي للتاريخ. اليوم، وبعد أن انقلبت الموازين واندلعت حرب إبادة ممنهجة، التفت غالبية الشعب السوداني حول جيشه. مشاهد التضامن العفوي، والتبرعات، والاستنفار الشعبي في القرى والمدن، تعكس شيئًا عميقًا في وجدان هذا الشعب: أن الجيوش ليست فقط للحرب، بل للحماية والكرامة والسيادة. البرهان اليوم يقف في لحظة تشبه – إلى حد بعيد – لحظة حمدوك الأولى، ولكن في سياق مختلف تماماً. الفارق أن الدعم الذي وجده حمدوك كان خارجياً وإعلامياً، بينما يجد البرهان دعمه من الشارع السوداني نفسه. هتافات الناس في الشوارع، استقبالهم له في كل مدينة، تضحياتهم المستمرة، كلها رسائل تقول بوضوح: هذه لحظتك، فلا تفرّط فيها. لكن المطلوب ليس فقط الانتصار العسكري. المطلوب ما هو أعمق وأبقى: أن يُبنى على هذا التلاحم الشعبي مشروع وطني جامع، وأن تُشكّل لجان من المختصين – من وزارة الشؤون الاجتماعية، ومنظمات المجتمع، والمفكرين – للعمل على رتق النسيج الاجتماعي، وتضميد الجراح، وتعزيز الشعور القومي. نحن أمام لحظة يمكن أن تعيد للسودان روحه، أو تتركه فريسة للتمزق. والمسؤولية هنا تقع على عاتق القيادة السياسية والعسكرية معًا، فكل تصرف وكل تصريح محسوب بدقة. الناس متحفزة، والإعلام المتربص ينتظر أي زلة أو تلميح ليصنع منها أزمة أو فتنة. لذلك، يجب أن يكون خطاب الدولة في هذه المرحلة دقيقًا، موجزًا، ومطمئنًا. ولو كنت مسؤولاً في الدولة، لما زادت خطاباتي عن جمل بسيطة لكنها تحمل مضمونًا عميقًا مثل: “نعمل على توحيد الصف، وتطهير البلاد من التمرد، وإعادة الإعمار، وحل مشاكل المواطنين هي أولويتنا القصوى.” هسي في صحفي بقدر يمسك علي كلمة من ديل؟! 😅😂😁 ختامًا، التاريخ لا يمنح فرصتين كثيرًا. حمدوك حصل على…
Read more