المسيرات حرب السعودية ومصر

عادل الباز… يكتب :

*المسيّرات… حرب السعودية ومصر!!*

1

حين يئست الإمارات من أن تكسب الحرب على الأرض، تحاول الآن أن تنقلها نقلة نوعية بإدخال مسيّرات استراتيجية متقدمة إلى ساحة الحرب، وهي مسيّرات ليست متاحة للمتمردين امتلاكها، إنما بإمكان الدول فقط أن تمتلكها. ولذا، فإن الإمارات لم تعد تموّل الحرب فقط، بل تموّلها وتخوضها عيانًا بيانًا وعلى رؤوس الأشهاد وفي الفضاء.

2

المسيّرات التي اعتدت على بورتسودان أمس حين ضربت قاعدة “فلامنغو” في بورتسودان ومستودعات الجيش، ثم عاودت صباح اليوم استهداف مستودعات البترول في بورتسودان، تقول أحدث المعلومات إنها انطلقت من الشرق، أي من البحر، من قاعدة بوصاصو الإماراتية في دولة “صوماليلاند” (المنطقة المنشقة عن الصومال). وكانت تقارير دولية أكدت أن هذه القاعدة يتم فيها تشوين الأسلحة للمليشيات، عوضًا عن “أم جرس” في تشاد، بعد أن انكشف أمرها وأصبحت تحت المراقبة الدولية. وبالأمس، انتشرت فيديوهات من قاعدة بوصاصو أوضحت وصول طائرة “يوشن” كينية تحمل مرتزقة كولومبيين إلى قاعدة “بونتلاند” العسكرية للالتحاق بقوات الدعم السريع!

3

كشف الفريق ركن بحري محجوب بشرى، قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية، خلال تنوير رسمي للبعثات الدبلوماسية بمدينة بورتسودان أمس، عن تفاصيل خطيرة تتعلق بالهجوم الإرهابي الذي استهدف المدينة بطائرات مسيّرة انتحارية، متهمًا دولة الإمارات بتنفيذه انطلاقًا من قواعد عسكرية خارج الحدود.

وقال الفريق بشرى: “إن المعطيات الفنية والاستخباراتية التي تم تحليلها بعد إسقاط الطائرات تشير بوضوح إلى أن المسيّرات جاءت من الشرق، أي من اتجاه البحر الأحمر، وليس من اليابسة غربًا”، موضحًا أن ذلك “يفتح الباب واسعًا لاحتمال انطلاق الهجوم من إحدى القواعد العسكرية الإماراتية في مناطق الانفصال بالصومال، مثل بونتلاند أو أرض الصومال”.

4

قبل هذه الاستنتاجات التي توصل إليها الجيش السوداني على لسان قائد منطقة البحر الفريق ركن بشرى، كانت هناك تكهنات تشير إلى أن تلك المسيّرات التي هاجمت بورتسودان أمس واليوم قدمت من منطقة “العطرون” قرب الحدود الليبية ـ السودانية، وكان هجومها منسقًا بين طائرات انتحارية تُطلق من مناطق قريبة لا يتعدى بعدها من بورتسودان 300 كيلومتر، وطائرة مسيّرة استراتيجية مداها يصل إلى 2000 كيلومتر.

وبالطبع، لن يبقى السودان مكتوف اليدين أو يصبر على اعتداء الإمارات طويلًا، ومتى ما أقدم السودان على الرد، فإن البحر الأحمر سيشتعل تمامًا.

تصاعد استخدام الطائرات المُسيّرة (الدرونز) الاستراتيجية كعامل جديد في الحرب، ينذر بتوسّع رقعة النزاع، ويُحيل البحر الأحمر من ممر تجاري آمن إلى ساحة حرب تكنولوجية غير تقليدية، وهو تصعيد عسكري منخفض التكلفة. استخدام المسيّرات يسمح لأطراف مثل الحوثيين أو السودان بتنفيذ هجمات مؤثرة دون الحاجة إلى موارد ضخمة أو تدخل مباشر بقوات بشرية. سواء انطلقت تلك المسيّرات من قوارب في البحر الأحمر أو من قاعدة “بونتلاند”، فإن هذا يعني أن نقلة نوعية شديدة الخطورة قد حدثت في مسار الحرب السودانية ـ الإماراتية، وهذا تهديد خطير للملاحة الدولية في البحر الأحمر، ذلك الممر الحيوي الذي تمر عبره 13% من التجارة العالمية، والمهدد الآن من الحوثيين ومن الإمارات.

5

السعودية الآن أصبحت معنية بالحرب مباشرة، من زاوية أمن البحر الأحمر. البحر الأحمر بالنسبة للسعودية موضوع ذو أهمية قصوى لا يمكن التساهل أو التفريط فيه، فـ70% من تجارة السعودية تمر عبر البحر الأحمر، إضافة إلى 13% من التجارة العالمية.

ولذا، كان لافتًا في البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية السعودية عقب الهجمات التي طالت بورتسودان بالأمس، أن تضمن إشارة مهمة لأول مرة، حين نص البيان قائلًا:

“إن مثل هذه الأعمال تمثل تهديدًا للاستقرار الإقليمي والأمن القومي العربي والإفريقي”.

وأمام السعودية خياران الآن للتعامل مع هذا التهديد الأمني والتجاري الخطير:

الأول: أن توقف الإمارات، بضغوط متنوعة تعرفها وتجيدها وتقدر عليها السعودية، عن أي ممارسات تهدد أمن البحر الأحمر، بوقف المسيّرات التي تستهدف أي منطقة في سواحله، بما في ذلك كل كل المناطق على السواحل السودانية. السعودية مطالبة باتخاذ هذا الموقف لأن ما يجري يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها واقتصادها.

 

الثاني: أن تساعد السودان في هزيمة التمرد والدفاع عن نفسه، بتمكينه من الوسائل الفعالة لحماية أمنه وحدوده وأجوائه.

6

السودان لن يكون أكبر الخاسرين حال اشتعال البحر الأحمر، إذ إن تجارة السودان، صادراته ووارداته، لا تتعدى 6 مليار دولار عندما كان في قمة عافيته، والآن لا يتجاوز الرقم 2 مليار دولار.

بينما صادرات السعودية النفطية وغير النفطية يُقدّر إجمالي إيراداتها بحوالي مليار دولار أمريكي يوميًا.

ستكون مصر هي أيضًا من أكبر الخاسرين إذا اشتعل البحر الأحمر، كما سنرى في الحلقة القادمة من هذا المقال.

نواصل…

  • Related Posts

    لماذا نتفاوض مع الإمارات؟ وعلى ماذا يدور هذا التفاوض؟ (١-٢)

    *لماذا نتفاوض مع الإمارات؟ وعلى ماذا يدور هذا التفاوض؟ (١-٢)* ➖️▪️➖️ *خلفية التفاوض : من المليشيا إلى الدولة الراعية* أصبح الحديث علنيًا في أروقة السياسة العامة والخاصة يدور حول التفاوض مع الإمارات، وليس مع المليشيا. فقد انقضى أمر هذه الأخيرة، ويُنتظر إعلان انهيارها التام في أي لحظة مع تقدم طلائع الجيش إلى دارفور. ▪️الحقيقة أن محاولات التفاوض مع الإمارات لم تتوقف، أو لنقل إن مساعي الإمارات للتواصل مع السودان لإيجاد مخرج من مأزقها لم تنقطع. في هذا السياق، شهدنا اتصالين معلنين: الأول في 19 يوليو 2024، حين تواصل محمد بن زايد مع الرئيس البرهان بوساطة إثيوبية عقب زيارة رئيس إثيوبيا إلى بورتسودان. أما المناسبة الثانية فكانت في 20 يناير 2024، حين شاركت الإمارات في مفاوضات سودانية-سودانية فيما عُرف باتفاق المنامة. ▪️هناك العديد من التقارير التي تشير إلى لقاءات غير معلنة، وآخرها تقرير من “Africa Intelligence” الذي أشار إلى رفض الجيش السوداني المشاركة في اجتماع سري مع الإمارات في 12 مايو 2025 بسبب مطالب مبالغ فيها من أبوظبي. ولم يحدد التقرير تلك المطالب، وراجت أنباء أن الإمارات طالبت بضرب الإسلاميين ومنحها استثمارات محددة كشرط لوقف الحرب، غير أن هذه التقارير لم تُؤكد من مصادر رسمية أو مصادر موثوقة. لكن يظل السؤال قائمًا: لماذا التفاوض مع الإمارات؟ وما هي محددات هذا التفاوض؟ وعلى ماذا يدور تحديدًا؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال. 2 عندما يتمدد تمرد داخلي إلى هذا الحد، ويبلغ هذا المستوى من التسليح والمساعدات اللوجستية، ويصمد لسنوات رغم ضراوة المعارك، يصبح السؤال المركزي: من أين له كل هذا الدعم؟ الدعم الكبير والمؤكد الذي تلقته قوات الدعم السريع من الإمارات أصبح حقيقة مثبتة في تقارير الأمم المتحدة، والتحقيقات الدولية، وشهادات شهود الحرب، وحتى في أروقة الكونغرس الأمريكي. لم يعد الأمر محل جدل. التفاوض مع الإمارات إذًا ليس تراجعًا عن مواجهة العدو الداخلي، بل هو اعتراف سياسي بأن المليشيا لم تكن سوى أداة عسكرية لمشروع خارجي، وأن مفتاح الحل لم يعد في الميدان، بل في أبوظبي. 3 لماذا التفاوض مع “دولة العدوان”؟ لأن معادلة الحرب تغيّرت، فمن يملك قرار استمرار أو إنهاء الحرب لم يعد قادة المليشيا، بل غرف التحكم الخارجية. المليشيا فقدت السيطرة على الأرض والشعب وحتى حواضنها، وانتقل القرار العسكري والسياسي والمالي إلى أبوظبي، التي تواصل تقديم الدعم تحت واجهات متعددة: مساعدات إنسانية، مبادرات سياسية، وتأثير مباشر في مراكز القرار في الغرب عبر استثماراتها ونفوذها المالي. إذن، التفاوض هنا مع من يمول الحرب ويخطط لها ويغذي استمرارها. 4 التفاوض: أداة مكملة للحسم العسكري التفاوض ليس بديلًا عن الحسم العسكري، بل أداة مكمّلة له. فكما أن النصر في الميدان يتحقق بالإنهاك والتطويق والتقدم، فإن النصر السياسي يُصان ويُستثمر بالتفاوض من موقع القوة. إذا كانت الإمارات قد استثمرت في الحرب لتحقيق مكاسب استراتيجية أو اقتصادية أو جيوسياسية، فالتفاوض وسيلة لإقناعها بأن كلفة هذه المقامرة باتت تفوق عائدها، وأن مشروعها خاسر على كل المستويات، وأن السودان لن يُدار من الخارج ولا بالمليشيات. التفاوض هنا هو رسالة واضحة: نحن ندرك من أنتم، ونعرف ما تريدون، وندير الصراع على كل مستوياته العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. التفاوض يُكمل الحسم العسكري. 5 إذا كانت هذه مسببات التفاوض مع الإمارات، فإن شرطًا واحدًا يظل هو الحاسم في أي حديث عن التفاوض، ألا وهو وقف العدوان ابتداءً؛ بمعنى أن تتوقف أبوظبي عن تمويل المليشيا بالسلاح وكافة أشكال دعمها، ثم بعدها يمكن أن نذهب إلى موائد التفاوض. أما أن يكون السلاح متدفقًا، والإمارات مستمرة في تسعير الحرب بواسطة المليشيا أو وكلائها في المنطقة، حفتر وغيره، فإن ذلك مجرد عبث سياسي ومضيعة للوقت. 6 محددات التفاوض المشكلة…

    Read more

    Continue reading
    سياسة أمريكا.. ثلاثية وقدها رباعي!

    *سياسة أمريكا.. ثلاثية وقدها رباعي!* ➖▪️➖ 1 في أي تحليل سياسي، لا بد من النظر في السياق الذي تجري فيه الأحداث وترتيبها زمنيًا لمحاولة فهم وتفكيك وكشف الأهداف التي تسعى إليها الأطراف الفاعلة في القضية محل البحث. في هذا الإطار، نسعى لقراءة البيان الأخير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية بشأن الحرب في السودان، والذي يفضح “ثلاثية” قائمة على المصالح، وازدواجية المعايير، والتواطؤ، وتُقدَّم كأنها مشروع سلمي وأخلاقي وإنساني، بينما هي مجرد أداة لتحقيق المصالح، وإدارة النفوذ، وتمتين التحالفات. 2 ما إن عاد ترامب محمّلًا بالتزامات تريليونية من الإمارات، حتى بدأت أجندة الاتفاقيات السرية، وخاصة فيما يخص السودان، تتكشف شيئًا فشيئًا. وكما يرغب السيد ترامب في أن يحصد الدولار الإماراتي، هناك أجندة إماراتية لا بد من تمريرها عبر أمريكا لتصبح تلك التريليونات مستحقة و”حلالًا” وواجبة الدفع. ٣ فما إن عاد السيد ترامب، وبعد أقل من أسبوع، حتى أُثيرت كذبة “الأسلحة الكيميائية” التي يُزعم أن الجيش استخدمها ضد المتمردين، ثم أعقب ذلك الإعلان عن عقوبات ستصدر خلال شهر يونيو على قادة الجيش بناءً على تلك الكذبة. وسرعان ما استدعت الخارجية الأمريكية ثلاثة سفراء من الإقليم، هم سفراء مصر والإمارات والسعودية، للقاء نائب وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر لانداو، والمستشار الأول لشؤون أفريقيا، مسعد بولس. هكذا أصبح اللعب على المكشوف. الإمارات لا تعطي ولا تشتري سلاحًا أمريكيًا لوجه الله؛ فهناك متطلبات يجب على أمريكا تلبيتها، خاصة إذا كانت تلك المتطلبات تخص دولة لا تعني أمريكا في شيء، ولا يضيرها أن تدينها أو تفرض عليها عقوبات، أو حتى تضربها عسكريًا. 4 متطلبات الإمارات تتمثل في مساعدتها على الخروج من ورطتها التاريخية التي دخلت فيها برجليها، وغرقت فيها حتى أذنيها،وتلطخت أيديها بدماء السودانيين حين دعمت ومولت ميليشيا مجرمة، لأجل ذلك استدعى السيد كريستوفر السفراء الثلاثة: ريما بنت بندر آل سعود من المملكة العربية السعودية، والسفير معتز زهران من جمهورية مصر العربية، على عجل. ثم أصدرت الخارجية بيانًا يدعو إلى وقف الحرب فورا في السودان، وليس في غزة أو أوكرانيا! ففي حين تسارع الولايات المتحدة لإدانة السودان وفرض عقوبات عليه، نراها تدافع عن إسرائيل التي ترتكب كل ما في دفاتر الحروب من جرائم، بل وتزوّدها بالسلاح والدعم السياسي الكامل لإنجاز مهمتها في إبادة شعب غزة.! 5 … ولكن لماذا تطالب أمريكا بوقف الحرب في السودان تحديدًا؟ يقول البيان: “انطلاقًا من إدراكهم أن الصراع في السودان يهدد المصالح المشتركة في المنطقة، وتسبب في أزمة إنسانية كبرى”. والسبب الثاني: “الولايات المتحدة لا تعتقد أن هذا النزاع قابل للحل العسكري”. وبناءً عليه : “ينبغي على المجموعة الرباعية أن تبذل جهدًا مشتركًا لإقناع الأطراف المتحاربة بوقف الأعمال العدائية والتوصل إلى حل تفاوضي”. ولتغطية الأسباب الحقيقية التي دفعت أمريكا لهذا التدخل العاجل جاء في البيان : “أكد نائب الوزير، في ضوء التأثير الإقليمي المتزايد للأزمة السودانية، التزام الولايات المتحدة بالعمل عن كثب مع دول المجموعة الرباعية من أجل معالجة هذه الأزمة”. ثم ماذا بعد؟ “ناقش كريستوفر معهم الخطوات التالية لتحقيق هذا الهدف”، وهو إيقاف الحرب! هذا بيان “تعاين فيه تضحك وتمشي ما تجيه راجع!”، لأنه بيان تتدثّر فيه المصالح بالأكاذيب، ويثير الغثيان في كل فقرة من فقراته!. 6 انظر – يا هداك الله – إلى مقولة: “الصراع في السودان يهدد المصالح المشتركة”؟ أي مصالح مشتركة تلك التي تهددها حرب السودان الآن وهي تجري على سهول كردفان وأقاصي دارفور؟ هل لأمريكا، أو مصر، أو السعودية، أو الإمارات مصالح مشتركة هناك؟ بل هل لهذه الدول مصالح مشتركة في السودان أصلًا؟ وما هي؟ وهل تلك المصالح التي في البحر الأحمر، يهددها السودان أم تهددها الحرب في اليمن؟ وماذا فعلت أمريكا…

    Read more

    Continue reading

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *